2. اجتناب مفسدات الصيام: دون سائر العبادات، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه؛ ولهذا قال في الحديث يدع شهوته من أجلي ، ولعل هذا هو السر في إضافة الصيام لله يفهم من الحديث أن العتيق من النار في رمضان هو الذي يصوم ابتغاء وجه الله فقط، ويؤكد هذا المراد ما جاء في الحديث القدسي: «الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي» (صحيح البخاري)، فالصيام عبادة سرية تكون بين العبد وربه، وفيها يظهر الإخلاص لله أكثر من غيرها؛ لأن الصائم يمتنع عن كل ما يرغب فيه من الملذات مع قدراته على إتيانها خوفا من الله. بحسب إخلاصه في صيامه، فإن العتق من النار هو جزء من ذلك الجزاء الذي لا يقدر؛ لأن العتق درجات والجنة مقامات، قال سفيان بن عييَنة: إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله، حتى لا يبقى له إلا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة، قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير.
مع توالي أيام شهر رمضان المبارك، تكون الغاية الكبرى للصائمين، أن يغفر الله لهم ذنوبهم ويجعلهم من العتقاء من النار. ويختص شهر رمضان المبارك بالعتق من النار، استنادا إلى أحاديث نبوية جمة، تشير إلى أنه لله تعالى عتقاء في كل يوم وليلة، فيكون مراد الصائمين أن يكونوا بينهم. وباب العتق من النار، فرصة ذهبية لكل صائم بالنهار وقائم بالليل، أسرف على نفسه وأذنب، فيدعو ربه تضرعا ورجاء عسى أن يقبله، ويفوز بالغنيمة الأعظم وهي أن يزحزح عن النار. "العين الإخبارية" استطلعت رأي الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، الذي قدم دعاء للصائمين في اليوم الـ16 من رمضان، ولبقية أيام الشهر الكريم. وأشار العالم الجليل إلى أن الدعاء بالعتق من النار لا يقتصر على العشر الآواخر من شهر رمضان، وإنما يجب على الصائم أن يقتنص فرصة شهر رمضان، ولياليه المباركة، في أن يدعو ربه كل ليلة بأن يكون من بين العتقاء من النار. وفيما يلي نص الدعاء: اللَّهُمَّ اعْتِقْ رِقَابَنَا وَرِقَابَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَخَوَاتِنَا وَأَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا وَأَهْلِينَا وَعُلَمَاءَنا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ النَّارِ
من هم العتقاء من النار في رمضان د. بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar 16/05/2020 القراءات: 2255 إن أهم ما يسعى إليه الصائم في رمضان هو النجاة من النار والفوز بالجنة، وقد اجتمع في رمضان من العوامل التي تساعد الصائم على نيل هذا الفضل العظيم ما تفرق في غيره؛ فرمضان شهر الرحمة، وشهر المغفرة، وهو أيضا شهر العتق من النار. أولا: من موجبات العتق من النار وضع الشارع أسبابا كثيرة للعتق من النار رحمة بعباده، وسأقتصر هنا على ما ورد في الحديث وهو أمران: 1. تحقيق عبودية الصيام: عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون ألفا، فإذا كان يوم الفطر أعتق مثل ما أعتق في جميع الشهر ثلاثين مرة ستين ألفا» (شعب الإيمان، البيهقي). قال المنذري: "وهو حديث حسن لا بأس به في المتابعات".
عاشرًا: الحرص على القيام في العشر الأواخر؛ وتحري ليلة القدر؛ ففيها العتق أكثر ، وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تسأل النبي الحبيب r عن دعاء تستقبل به ليالي العفو، فورد في السُّنّة عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ". فاستعن بالله وتجهّز للعشر الأواخر بطلب العفو وتحري القيام. أسأل الله تعالى أن يعفو عنا جميعا، وأن يكتبنا من عتقائه من النار..
وإذا كان العبد الرقيق في الدنيا إذا أعتق وصار حرا لا يعود عبدا مرة ثانية ، فما بالنا بكرم الرب سبحانه إذا أعتق رقبة عبده من النار العتق من النار: معنى عظيم هائل ، وفضل كبير لا يوازيه شيء ، بل هو خير من كنوز الدنيا كلها ، ومن سائر ما طلعت عليه الشمس ، ومن ناله فقد فاز فوزا عظيما ، لا خيبة بعده ولا خسران ، ويكفيك أن تتخيل عبدا يمشي على الأرض ، وقد كتب أنه من أهل الجنة ، ومن الناجين من النار. وإذا كان العبد الرقيق في الدنيا إذا أعتق وصار حرا لا يعود عبدا مرة ثانية ، فما بالنا بكرم الرب سبحانه إذا أعتق رقبة عبده من النار ، أتراه يعذبه ثانية ، أو يخزيه بعد هذا الإنعام والإكرام.... حاشاه سبحانه ، وهو الكريم الجواد على التمام والكمال ، بل كل كرم وجود عند العباد، فإنما هو من فيض كرمه وعطائه. ومن فضائل شهر رمضان العظيمة: أن لله سبحانه عتقاء من النار في كل ليلة ، ويا فوزهم وسعدهم! قال النبي صلى الله عليه وسلم " « إن للَّه تعالى عند كل فطر عتقاء من النار ، وذلك في كل ليلة » " وفي رواية " « إن لله عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة » " فاللهم اجعلنا منهم وسائر المسلمين ، بفضلك وجودك يا كريم.
خامسًا: عالِج داءَك الذي يحول بينك وبين الجنّة: فإنَّ معالجة نفسك مما يأسرك من ذنوب ومعاصٍ سبيل غفران وعتق من النار؛ ولعل قصة قاتل المائة تدلّنا على ذلك؛ فالرجل القاتل أراد أن يتوب فبحث عن عالمٍ، حتى دلّه العالم الربّانيّ على معالجة نفسه من دائه، من خلال ترك أرض المعصية ومغادرتها إلى أرض الطاعة، وكانت النتيجة أن كُتِب من أهل الجنّة وأعتق الله رقبته من النار. سادسًا: الدعاء واللجوء إلى الله والإلحاح بطلب العتق من النار: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله r: " مَنْ سَأَلَ الله الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتْ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتْ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ النَّارِ " [سنن ابن ماجه وهو حديث صحيح]. وهذا يعني أنّ من الأعمال التي بسببها يُعتق المرء من النار: كثرة الدعاء بطلب العتق، فقل: اللهم أجِرْني من النار. وقد وردت آية الدعاء ضمن مضامين الحديث عن شهر رمضان، قال تعالى:) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ( [البقرة: 186].
فاسأل ولا تستكثر ولتعظّم رغبتك عند الله، فلا ينقص شيء من ملكه سبحانه ولو أعطى كل عباده؛ ففي الحديث: (( يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ.. )) [أخرجه مسلم]. و عند كل إفطار دعوة مستجابة.. فلا تنس الدعاء واللجوء إلى الله بطلب العتق وأن يمنّ عليك ببلوغ ليلة القدر. سابعًا: كثرة الخُطَى والمشي في سبيل الله تعالى وقضاء الحوائج: فخُطُواتِ العبد في سبيل الله وقضاء حوائج الناس وتفريج كروب المكروبين سبيلٌ للعتق من النار؛ ففي الحديث الصحيح عند البخاري أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: « مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ الله حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّارِ ». فاحتسب خطواتك عند الله من إغاثة ملهوف ونُصرة مظلوم.. ثامنًا: الدفاع عن عِرض المسلم في غيبته: فقد ورد من حديث الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ، كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ » فالحذر الحذر من مجالس الغيبة، وليحذر كل واحد منا من أن يقع في أعراض الآخرين.